''أخطر عدو على القضية الجزائرية''، بهذه العبارة لخصت جبهة التحرير الوطني موقفها من الجنرال شارل دوغول العائد إلى الحكم إثـر انقلاب 13مايو 1958، باعتباره رجل حرب من جهة، ونظرا لارتباطه بالمتطرفين من قادة جيش الاحتلال الذين استنجدوا به من جهة ثانية.
قدرت الجهة بناء على ذلك أن سياسته ستكون الأخطر منذ إعلان الثورة: ''سياسة الوسائل الكبرى'' عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، لذا كان ينبغي أن تفكر في الرد المسبق عليه لتقول له: ها نحن لك بالمرصاد، مستعدون لرد التحدي بمثله!
ومن أهم ما جاء من قرارات جريئة في هذا الإطار:
1- نقل الكفاح المسلح إلى فرنسا ذاتها، بواسطة عمليات ليلة الاثنين 25أوت 1958 التي هزت البلاد من شمالها إلى جنوبها.
2- الإعلان عن تأسيس ''الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائري'' (في 19سبتمبر) الذي كان نقله نوعية لكفاح الشعب الجزائري على مختلف الأصعدة، كانت لجنة التنسيق والتنفيذ قد عينت مسؤولا جديدا لاتحادية جبهة التحرير بفرنسا، هو المناضل عمر بوداود الذي كان ينشط في اتحادية الجبهة بالمغرب.
ومن التعليمات التي تلقاها بالمناسبة: فتح ''جبهة ثانية للكفاح المسلح (بفرنسا) في أحسن الآجال''.
وفي ربيع 1958 أكدت اللجنة تعليماتها، بعد تقدير ما يمكن أن ينتج عن ذلك إيجابا وسلبا.
وكانت الاتحادية قد جهزت نفسها لوضع هذه التعليمات موضع التنفيذ، ولا سيما بعد إنشاء منظمة شبه عسكرية باسم ''المنظمة الخاصة''، لتكون بمثابة العمود الفقري للعمل المباشر.
تضم ''المنظمة الخاصة التي نصب على رأسها المناضل السعيد بوعزيز- بمساعدة طالب الطب نصر الدين آيت مختار- ثلاثة فروع:
-الاستعلام والإمداد.
-العمل المباشر والتخريب الذي يستهدف المنشآت العسكرية والاقتصادية خاصة.
-''خلايا مسلحة'' مهمتها التصدي للخونة والجلادين ''المتحمسين''..
وفي يوليو من نفس السنة عقدت قيادة الاتحادية اجتماعا ''بكولن- مولهايم'' (ألمانيا الغربية) لبحث موضوع فتح جبهة ثانية مع تحديد الأهداف وتوزيع المهام في آن واحد، ولتمكين كل ولاية (بفرنسا) من ضبط مشاركتها بدقة، حدد موعد فتح هذه الجبهة بمنتصف ليلة الاثنين 25 أوت .1958 ويسجل رئيس الاتحادية في هذا الصدد أن زملاءه كانوا متفقين على ضرورة مدة العملية المنتظرة منذ فترة طويلة، ما عدا عضوا واحدا هو محمد حربي (الكاتب المعروف) الذي أبدى اعتراضه، خوفا من انعكاساتها السلبية على مستوى رد فعل الشعب الفرنسي ووسائل الإعلام، فضلا عن تقديم مبرر للقمع الوحشي المسلط على المهاجرين الجزائريين(*).
وقد حدد للعمليات المبرمجة عدة أهداف:
-عسكريا، نقل الهاجس الأمني إلى فرنسا ذاتها، ودفع الحكومة الفرنسية بذلك إلى الاحتفاظ بجزء من قواتها، مما ينجر عنه تخفيف الضغط على جيش التحرير في الجزائر فضلا عن ضرب بعض محطات إمداد الجيش الفرنسي العامل بالجزائر، ولا سيما محطات الوقود منها.
-سياسيا، محاولة إثارة الرأي العام ضد الحكومة بما ينجر عن ذلك من مضاعفة حجم الإنفاق في الإجراءات العسكرية والبوليسية.
-اقتصاديا، محاولة عرقلة الاستثمارات التي كانت باريس تشجع الشركات النفطية على القيام بها في الصحراء الجزائرية بهدف أن لا يعزز النفط المكتشف المجهود الحربي الفرنسي بالجزائر.
لكن ترى لماذا اختيار أواخر أوت تجديدا؟
يجيب رئيس الاتحادية: نظرا لرمزية هذه الفترة محليا ومغاربيا، محليا لأنها تذكرنا بعمليات 20أوت 1955 وبمؤتمر الصومام بعد سنة، ومغاربيا لارتباطها بذكرى عزل سلطان المغرب محمد بن يوسف عام .1953
.