حين توسط عقبة بن نافع الصحراء حيث تونس الحالية، توقف عند منطقة رآها صالحة لتعسكر قواته، ورأى فيها ملاذا آمناً لاستراحة القوافل التي تنتقل بين الشرق والغرب، فحط فيها الرحال، وخط بعصاه على الأرض حدود المعسكر، فكان اختيار عقبة لهذه المنطقة ينم عن بعد نظر، فهي تقع في جوف الروابي على منتصف الطريق بين الحصون والشواطئ البيزنطية ومخابئ البربر الجبلية، فاتخذها محطة لاستراحة القوافل ومركزاً لانطلاق نور الإسلام، وأطلق عليها اسم القيروان. ولما كان موقع المدينة بعيداً عن العمران في وسط الصحراء، كانت آمنة من هجوم الأعداء، لكن عزلتها هذه لم تمنعها من أن تكبر وتنمو، وكان أول ما شيد فيها هو دار الإمارة، والمسجد الجامع، وكان بادئ الأمر فضاء ليس فيه بناء، ويصلّى فيه كذلك، وبعد تحديد محراب المسجد اقتدى به الناس، فصارت القيروان من أهم مدن إفريقيا. بناء القيروان سنة 670 في هذه المنطقة لا يعنى أنها شكلت أول وجود بشري حضاري هناك، إذ أن المنطقة كانت مأهولة منذ القدم، حيث بينت الاكتشافات الأثـرية وجود أدوات حجرية للإنسان القديم بعثـرتها عوامل الانجراف على ضفاف وادي مرق الليل فى منطقة العلا، ويعود تاريخ هذه الأدوات إلى أكثـر من 200 ألف سنة. وتختلف القيروان عن المدن العربية القديمة في أن كل قبيلة نزلت بها لم تكن تختص بمكان معين من المدينة كما هو الحال في باقي المدن الإسلامية، أما بالنسبة إلى تخطيطها فقد اتبع نفس تخطيط المدن السابقة، حيث يبدأ بتخطيط المسجد ودار الإمارة، ويلي ذلك السوق والمساكن والطرق والشوارع